لم تكن المرحلة الابتدائية مجرد بداية عابرة، بل كانت كأنها البوابة الأولى التي فتحت أمامكِ عالماً من الدهشة والمعرفة. كانت كل لحظة على مقاعد الدراسة تحمل بين طياتها قصة، وكل درس يروي حكاية جديدة تشعل في قلبكِ شغفًا لا ينطفئ للتعلم. كانت الحروف الأولى التي خطّتها يدكِ الصغيرة أشبه ببذور زرعتها في تربة خصبة، وسرعان ما بدأت تنمو لتشكّل أساسًا متينًا لفهمكِ للعالم من حولكِ.
مع تقدم السنوات، بدأتِ تدركين أن طريق النجاح لا يخلو من التحديات، وأن المسؤوليات تنمو كلما خطوتِ نحو الأمام. أصبحتِ أكثر وعيًا، أكثر نضجًا، وأكثر قدرة على التمييز بين ما هو عابر وما يستحق الجهد. في هدوء الليالي، وبين صفحات الكتب، كنتِ تغزلين أحلامكِ بصبر وإصرار، وكل ساعة تقضينها في الدراسة تحت ضوء المصباح كانت بمثابة وعد صادق للمستقبل الذي تطمحين إليه.
في المدرسة الثانوية، دخلتِ عالمًا جديدًا من التحديات، حيث ارتفعت سقوف الطموحات وكبرت المسؤوليات. ومع كل هذا، لم تتراجعي يومًا عن أحلامكِ، بل كنتِ تمضين بثقة نحو هدفكِ وكأنكِ تعاهدين نفسكِ في كل صباح أن لا تضيعي الطريق. لم يكن النجاح بالنسبة لكِ مجرد درجات في ورقة، بل كان انعكاسًا لطريقة تفكيركِ، لقدرتكِ على اتخاذ القرار، ولإرادتكِ التي لا تلين أمام الضغوط.
كانت هذه المرحلة أشبه برحلة بحرية طويلة، تنقلكِ من ضفاف المعرفة العامة إلى أعماق التخصص الدقيق. ومع كل موجة من التحديات، كنتِ كقبطان يعرف خارطة الطريق، لا تنحرفين عن المسار رغم العواصف التي قد تهب أحيانًا. لم يكن التعب عائقًا، بل كان دافعًا يُحرّك شراعكِ نحو الأفق، ولم تكن الليالي الساهرة سوى دليل على عزيمتكِ التي لا تعرف الكلل، وعلى شغفكِ الحقيقي بما اخترتِ أن تدرسيه.
وها أنتِ اليوم، تصلين إلى اللحظة التي طالما راودتكِ في أحلامكِ، اللحظة التي كنتِ تكتبين عنها في دفاتركِ القديمة وتتخيلين ملامحها بين كل إنجاز صغير. تقفين بين أهلكِ، وبين وجوهٍ لطالما ساندتكِ ودعمتكِ في كل خطوة، تمسكين بشهادتكِ التي لا تختصر مجرد أعوام من الدراسة، بل تلخص حكاية كفاح طويلة، كتبتِها بالصبر، وسقيتها بالإصرار، ورسمتِ معالمها بالشغف. النظرات التي تحيط بكِ لا تحمل فقط الفخر، بل تحكي حكاية طويلة من التضحية والمساندة. هذه الورقة التي بين يديكِ لم تكن يومًا مجرد شهادة، بل هي شهادة ميلاد جديدة، لمرحلة أكثر إشراقًا، تنطلقين فيها نحو المستقبل بخطى واثقة، محمّلةً بكل ما يلزمكِ لصنع نجاحات أكبر وأعظم.